ولما ذكر الأمر الدنيوي، أتبعه الأمر الديني فقال: ﴿وآية منك﴾ أي علامة على صدقي ﴿وارزقنا﴾ أي رزقاً مطلقاً غير مقيد بها؛ ولما كان التقدير: فأنت خير المسؤولين، عطف عليه قوله: ﴿وأنت خير الرّازقين *﴾ أي فإنك تغني من تعطيه وتزيده عما يؤمله ويرتجيه بما لا ينقص شيئاً مما عندك، ولا تطلب منه شيئاً غير أن ينفع نفسه بما قويته عليه من طاعتك بذلك الرزق ﴿قال الله﴾ أي الملك المحيط علماً وقدرة.
ولما كان ظاهر سؤالهم من الاستفهام عن الاستطاعة للاضطراب وإن كان للإلهاب، أكد الجواب فقال: ﴿إني منزلها عليكم﴾ أي الآن بقدرتي الخاصة بي ﴿فمن يكفر بعد﴾ أي بعد إنزالها ﴿منكم﴾ وهذا السياق معشر بأنه يحصل منهم كفر، وقد وجد ذلك حتى في الحواريين على ما يقال في يهودا الإسخريوطي أحدهم الذي دل على عيسى عليه السلام، فألقى شبهه عليه، ولهذا خصه بهذا العذاب فقال: ﴿فإني أعذبه﴾ أي على سبيل البتّ والقطع ﴿عذاباً لا أعذبه﴾ أي مثله أبداً فيما يأتي من الزمان ﴿أحداً من العالمين *﴾ وفي هذا أتم زاجر لهذه الأمة عن اقتراح الآيات، وفي ذكر قصة المائدة في هذه السورة التي افتتحت بإحلال المآكل واختتمت بها أعظم تناسب، وفي ذلك كله إشارة إلى تذكير هذه الأمة بما أنعم عليها بما أعطى نبيها من المعجزات ومنَّ عليها به من حسن الاتباع، وتحذير من كفران هذه النعم