ولما كان التراب لكثافته لا يصل إلى ما يصل إليه الماء بلطافته، قصَّر الفعل وعدَّاه بالحرف إشارة إلى الاكتفاء بمرة والعفو عن المبالغة، وبينت السنة أن المراد جميع العضو، فقال: ﴿بوجوهكم وأيديكم منه﴾ أي حال النية التي هي القصد الذي هو التيمم، ثم أشار لهم إلى حكمته سبحانه في هذه الرخصة فقال مستأنفاً: ﴿ما يريد الله﴾ أي الغنى الغنى المطلق ﴿ليجعل عليكم﴾ وأغرق في النفي بقوله: ﴿من حرج﴾ أي ضيق علماً منه بضعفكم، فسهل عليكم ما كان عسره على من كان قبلكم، وإكراماً لكم لأجل نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يأمركم إلا بما يسهل عليكم ليقل عاصيكم ﴿ولكن يريد ليطهركم﴾ أي ظاهراً وباطناً بالماء والتراب وامتثال الأمر على ما شرعه سبحانه، عقلتم معناه أو لا، مع تسهيل الأوامر والنواهي لكيلا يوقعكم التشديد في المعصية التي هي رجس الباطن ﴿وليتم نعمته﴾ أي في التخفيف في العزائم ثم في الرخص، وفي وعدكم بالأجور على ما شرع لكم من الأفعال ﴿عليكم﴾ لأجل تسهيلها، ليكون فعلكم لها واستحقاقكم لما رتب عليها من الأجر مقطوعاً به، إلا لمن لج طبعه في العوج، وتمادى في الغواية والجهل والبطر ﴿لعلكم تشكرون *﴾ أي وفعل ذلك كله.
هذا التسهيل وغيره ليكون حالكم لما سهل


الصفحة التالية
Icon