صارت لهم أحوالاً لأنفسهم وأخلاقاً لقلوبهم، سماها صنائع فقال: ﴿بما كانوا يصنعون *﴾ أي دربوا أنفسهم عليه حتى صار كالصنعة، فيجازيهم عليه بما يقيم عليهم من الحجة.
ولما علم بذلك كله أحوال الفريقين، أقبل عليهم واعظاً منادياً متلطفاً مستعطفاً مرغباً مرهباً فقال: ﴿يا أهل الكتاب﴾ أي عامة ﴿قد جاءكم رسولنا﴾ أي الذي أرسلناه مما لنا من العظمة فليظهرن بذلك على من ناواه ﴿يبين لكم﴾ أي يوضح إيضاحاً شافياً ﴿كثيراً مما كنتم﴾ أي بما لكم من جبلة الشر والخيانة ﴿تخفون من الكتاب﴾ أي العظيم المنزل عليكم، من صفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكم الزنا وغيرهما، لإحياء سنة وإماتة بدعة - كما مضى منه ما شاء الله في سورة البقرة، وذلك دال بلا شبهة على صحة رسالته ﴿ويعفوا عن كثيراً *﴾ أي فلا يفضحكم بإظهاره امتثالاً لأمرنا له بذلك - كما تقدم أنه إحسان منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم، لأنه لا فائدة في إظهاره إلا فضيحتكم.
ولما أخبر عن فصله للخفايا، وكان التفصيل لا يكون إلا بالنور، اقتضى الحال توقع الإخبار بأنه نور، فقال مفتتحاً بحرف التوقيع والتحقيق:


الصفحة التالية
Icon