﴿وإليه﴾ أي وحده ﴿المصير *﴾ أي الصيرورة والرجوع وزمان ذلك ومكانه معنى في الدنيا بأنه لا يخرج شيء عن مراده، وحساً في الآخرة، فيحكم بين مصنوعاته على غاية العدل - كما هو مقتضى الحكمة وشأن كل ملك في إقامة ملكه بإنصاف بعض عبيده من بعض، لا يجوز عنده في موجب السياسة إطلاق قويهم على ضعيفهم، فإن ذلك يؤدي إلى خراب الملك وضعف الملك، فإذا كان هذا شأن الملوك في العبيد الناقصين فما ظنك بأحكم الحاكمين! فإذا عاملهم كلهم بالعدل أسبغ على من يريد ملابس الفضل.
ولما دحضت حجتهم، ووضحت أكذوبتهم، اقتضى ذلك الالتفات إلى وعظهم على وجه الامتنان عليهم وإبطال ما عساهم يظنونه حجة، فقال تعالى: ﴿يا أهل الكتاب﴾ أي من الفريقين؛ ولما كان ما حصل لهم من الضلال بتضييع ما عندهم من البينات وتغييرها ما لا يتوقع معه الإرسال، قال معبراً بحرف التوقع: ﴿قد جاءكم رسولنا﴾ أي الذي عظمته من عظمتنا، فإعظامه وإجلاله واجب لذلك، ثم بين حاله مقدماً له على متعلق جاء بياناً لأنه أهم ما إلى الرسل إليهم إرشاداً إلى قبول كل ما جاء به بقوله: ﴿يبين لكم﴾ أي يوقع لكم البيان في كل ما ينفعكم بياناً شافياً لما تقدم وغيره.


الصفحة التالية
Icon