إذا دعوتموه تارة ويجيبكم أخرى، ومع ذلك فلا يردكم عدم إجابته عن اعتقاد قدرته ودوام الإقبال عليه في مثل تلك الحال لما ركز في العقول السليمة والفطر الأولى من أنه الفاعل المختار، وعلى ذلك دل قوله عطفاً على «تدعون» :﴿وتنسون﴾ أي تتركون في تلك الأوقات دائماً ﴿ما تشركون *﴾ أي من معبوداتكم الباطلة لعلمكم أنها لا تغني شيئاً، كما هي عادتكم دائماً في أوقات الشدائد رجوعاً إلى حال الاستقامة. أفلا يكون لكم هذا زاجراً عن الشرك في وقت الرخاء خوفاً من إعادة الضراء!.
ولما أقام لهم بهذه الآية على توحيده الدليل حتى استنارت السبل في تذكيرهم أن التضرع قد يكشف به البلاء، أخبرهم أن تركه يوجب الشقاء، ترغيباً في إدامته وترهيباً من مجانبته فقال: ﴿ولقد أرسلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿إلى أمم﴾ أي أناس يؤم بعضهم بعضاً، وهم أهل لأن يقصدهم الناس، لما لهم من الكثرة والعظمة.
ولما كان المراد بعض الأمم، وهم الذين أراد الله إشهادهم وقص أخبارهم، أدخل الجار فقال: ﴿من قبلك﴾ أي رسلاً فخالفوهم، وحسّن هذا الحذف كونه مفهوماً ﴿فأخذناهم﴾ أي فكان إرسالنا إليهم سبباً


الصفحة التالية
Icon