وما من ﴿حبة﴾ ودل على أن الأرض ليس لها من نفسها نور تنبيهاً على ما أودع هذا الآدمي المكوّن منها من الغرائب بقوله: ﴿في ظلمات الأرض﴾ أي ولو كان في أقصى بطنها، فكيف بماهو في النور وهو أكبر من الحبة.
ولما خص، رجع إلى التعميم رداً للآخر على الأول فقال: ﴿ولا رطب ولا يابس﴾ أي وجد أو لم يوجد أو سيوجد ﴿إلا في كتاب مبين *﴾ أي موضح لأحواله وأعيانه وكل أموره وأحيانه، فثبت أنه فاعل لجميع العالم بجواهره وأعراضه على سبيل الإحكام والإتقان، لأنه وحده عالم بجميع المعلومات، ومن اختص بعلم جميع المعلومات كان مختصاً بصنع جميع المصنوعات قادراً على جميع المقدورات.
ولما كان من مفاتح الغيب الموت والبعث الذي ينكرونه، وكان من أدلته العظمة النوم والإيقاظ منه مع ما فيه من الإحسان المتكرر، وكان فيه مع ذلك تقرير لكمال القدرة بعد تقريره لكمال العلم، أتبع ذلك قوله: ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿الذي يتوفاكم﴾ أي يقبض أرواحكم كاملة بحيث لا يبقى عندكم شعور أصلاً، فيمنعكم التصرف بالنوم كما يمنعكم بالموت، وذكر الأصل في ذلك فقال: ﴿بالّيل ويعلم﴾ أي والحال أنه يعلم ﴿ما جرحتم﴾ أي كسبتم ﴿بالنهار﴾ أي الذي