فقال: ﴿ولا تقربوا مال اليتيم﴾ أي بنوع من أنواع القربان عمل فيه أو غيره ﴿إلا بالتي هي أحسن﴾ من الخصال من السعي في تنميته وتثميره وليستمر ذلك ﴿حتى يبلغ أشده﴾ وهو سن يبلغ به أوان حصول عقله عادة وعقل يظهر به رشده؛ ثم ثنى بالمقادير على وجه يعم فقال: ﴿وأوفوا﴾ أي أتموا ﴿الكيل والميزان﴾ لأنهما الحكم في أموال الأيتام وغيرهم؛ ولما كان الشيء ربما أطلق على ما قاربه نحو ﴿قد قامت الصلاة﴾ أي قرب قيامها، وهذا وقت كذا - وإذا قرب جداً، أزيل هذا الاحتمال بقوله: ﴿بالقسط﴾ أي إيفاء كائناً به من غير إفراط ولا تفريط.
ولما كانت المقادير لا تكاد تتساوى لا سيما الميزان فإنه أبعدها من ذلك، وأقربها الذرع وهو داخل في الكيل، فإنه يقال: كال الشيء بالشيء: قاسه، أشار إلى أنه ليس على المكلف المبني أمره على العجز للضعف إلا الجهد فقال: ﴿لا نكلف﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿نفساً إلا وسعها﴾ وما وراء الوسع معفو عنه؛ ثم ثلث بالعدل في القول لأنه الحكم على الأموال وغيرها، وقدم عليه الفعل لأنه دال عليه، فصار الفعل موصى به مرتين فقال: ﴿وإذا قلتم﴾ أي في شهادة أو في حكم أو توفيق بين اثنين أو غير ذلك ﴿فاعدلوا﴾ أي توفيقاً بين القول والفعل.
ولما كانت النفوس مجبولة على الشفقة على القريب قال:


الصفحة التالية
Icon