وهو إقامة الحجة البالغة فقال: ﴿أن﴾ أي لأن لا ﴿تقولوا﴾ أو كراهة أن تقولوا أيتها الأمة الأمية ﴿إنما أنزل الكتاب﴾ أي الرباني المشهور ﴿على طائفتين﴾ وقرب الزمن وبعّضه بإدخال الجار فقال: ﴿من قبلنا﴾ أي اليهود والنصارى ﴿وإن﴾ أي وأنا - أو وأن الشأن - ﴿كنا عن دراستهم﴾ أي قراءتهم لكتابهم قراءة مرددة.
ولما كانت هي المخففة أتى باللام الفارقة بينها وبين النافية فقال: ﴿لغافلين*﴾ أي لا نعرف حقيقتها ولا ثبتت عندنا حقيتها ولا هي بلساننا ﴿أو تقولوا﴾ أي أيها العرب: لم نكن عن دراستهم غافلين بل كنا عالمين بها، ولكنه لا يجب اتباع الكتاب إلا على المكتوب إليه فلم نتبعه، و ﴿لو أنا﴾ أهلنا لما أهلوا له حتى ﴿أنزل علينا الكتاب﴾ أي جنسه أو الكتاب الذي أنزل إليهم من عند ربنا ﴿لكنا أهدى منهم﴾ أي لما لنا من الاستعداد بوفور العقل وحدة الأذهان واستقامة الأفكار واعتدال الأمزجة والإذعان للحق، ولذلك سبب عن هاتين العلتين قوله: ﴿فقد جاءكم﴾ وذكر الفعل مدحاً لهذا القرآن وتفضيلاً وتشريفاً له على كل ما تقدمه وتنبيهاً على أن بيان هذه السورة في النهاية لأنها سورة أصول الدين ﴿بينة﴾ أي حجة ظاهرة بلسانكم ﴿من ربكم﴾ أي المحسن إليكم على لسان رجل منكم تعرفون أنه أولاكم بذلك ﴿وهدى﴾ أي بيان لمن تدبره عظيم ﴿ورحمة﴾ أي إكرام لمن قبله،