ولما كان قد حكم عليه بالشقاء، قابل نعمة الإمهال وإطالة العمر بالتمادي في الكفر وأخبره عن نفسه بذلك بأن ﴿قال﴾ مسبباً عن إيقاعه في المعصية بسبب نوع الآدميين ﴿فبما أغويتني﴾ أي فبسبب إغوائك لي، وهو إيجاد الغي واعتقاد الباطل في قلبي من أجلهم والله ﴿لأقعدن لهم﴾ أي أفعل في قطعهم عن الخير فعل المتمكن المقبل بكليته المتأني الذي لا شغل له غير ما أقبل عليه في مدة إمهالك لي بقطعهم عنك بمنعهم من فعل ما أمرتهم به، وحملهم على فعل ما نهيتهم عنه، كما يقعد قاطع الطريق على السابلة للخطف ﴿صراطك﴾ أي في جميع صراطك، بما دل عليه نزع الخافض ﴿المستقيم*﴾ وهو الإسلام بجميع شعبه، ومن أسند الإغواء إلى غير الله بسبب اعتقاده أن ذلك مما ينزه الله عنه، فقد وقع في شر مما فر منه، وهو أنه جعل في الوجود فاعلين يخالف اختيار أحدهما اختيار الآخر.
ولما كان قد أقام نفسه في ذلك بغاية الجد، فهو يفعل فيه بالوسوسة بنفسه ومن أطاعه من شياطين الجن والإنس ما يفوت الحد ويعجز القوى، أشار إليه بحرف التراخي فقال مؤكداً: ﴿ثم لآتينهم﴾ أي إتياناً لا بد لي منه كائناً ابتداؤه ﴿من بين أيديهم﴾ أي مواجهة، فأحملهم على أن يفعلوا ما يعلمون أنه خطأ ﴿و﴾ كائناً ﴿من خلفهم﴾ أي مغافلة، فيعملون ما هو فاسد في غاية الفساد ولا شعور لهم بشيء


الصفحة التالية
Icon