إنما هو بالقلب بمعنى أنه لا يكون للدنيا عنده قدر ولا له إليها التفات ولا هي أكبر همه، وأما كونها ينتفع بها فيما أذن الله فيه وهي محقورة غير مهتم بها فذلك من المحاسن.
ولما كان هذا المعنى من دقائق المعاني ونفائس المباني، أتبعه تعالى قوله جواباً لمن يقول: إن هذا التفصيل فائق فهل يفصل غيره هكذا؟ ﴿كذلك﴾ أي مثل هذا التفصيل البديع ﴿نفصل الآيات﴾ أي نبين أحكامها ونميز بعض المشبهات من بعض ﴿لقوم يعلمون*﴾ أي لهم ملكة وقابلية للعلم ليتوصلوا به إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح.
ولما بين أن ما حرموه ليس بحرام فتقرر ذلك تقرراً نزع من النفوس ما كانت ألفته من خلافه، ومحا من القلوب ما كانت أشربته من ضده؛ كان كأنه قيل: فماذا حرم الله الذي ليس التحريم إلا إليه؟ فأمره تعالى بأن يجيبهم عن ذلك ويزيدهم بأنه لم يحرم غيره فقال: ﴿قل إنما حرم ربي﴾ أي المحسن إليّ بجعل ديني أحسن الأديان ﴿الفواحش﴾ أي كل فرد منها وهي ما زاد قبحه؛ ولما كانت الفاحشة ما يتزايد قبحه فكان ربما ظن أن الإسرار بها غير مراد بالنهي قال: ﴿ما ظهر منها﴾ بين الناس ﴿وما بطن﴾.
ولما كان هذا خاصاً بما عظمت شناعته قال: ﴿والإثم﴾ أي


الصفحة التالية
Icon