ولما كان الإله لا يغيب فعلموا ضلالهم بغيبتهم عنهم، قال مترجماً عن ذلك: ﴿وشهدوا على أنفسهم﴾ أي بالغوا في الاعتراف ﴿أنهم كانوا كافرين*﴾ أي ساترين عناداً لما كشف لهم عنه نور العقل فلا مانع منه إلا حظوظ النفوس ولزوم البؤس.
ولما كان كأنه قيل: لقد اعترفوا، والاعتراف - كما قيل - إنصاف، فهل ينفعهم؟ قيل: هيهات! فات محله بفوات دار العمل لا جرم! ﴿قال﴾ أي الذي جعل الله إليه أمرهم ﴿ادخلوا﴾ كائنين ﴿في أمم﴾ أي في جملة جماعات وفرق أم بعضها بعضاً؛ ثم وصفهم دالاً بتاء التأنيث على ضعف عقولهم فقال: ﴿قد خلت﴾ ولما كان في الزمن الماضي من آمن، أدخل الجار فقال ﴿من قبلكم﴾ ولما كان الجن الأصل في الإغواء قدمهم فقال: ﴿من الجن والإنس﴾ ثم ذكر محل الدخول فقال: ﴿في النار﴾.
ولما جرت عادة الرفاق بأنهم يتكالمون وحين الاجتماع يتسالمون تشوف السامع إلى حالهم في ذلك فقال مجيباً له: ﴿كلما دخلت أمة﴾ أي منهم في النار ﴿لعنت أختها﴾ أي القريبة منها في الدين والملة التي قضيت آثارها واتبعت منارها، يلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى - وهكذا، واستمر ذلك منهم ﴿حتى إذا اداركوا﴾ اي تداركوا وتلاحقوا، يركب بعضهم بعضاً - بما يشير إليه الإدغام ﴿فيها جميعاً﴾ لم يبق منهم أمة ولا واحد من أمة ﴿قالت أخراهم﴾ أي في الزمن


الصفحة التالية
Icon