ولما أعيدت القصة في سورة يونس عليه السلام، كان الأليق بكلام البلغاء والأشبه بطرائق الفصحاء التفنن في العبارة، فعدي التضعيف مع ما فيه من الأبلغية بإفهام مزيد الاعتناء مناسبة لما تقدم من مزيد التفويض في قوله ﴿فأجمعوا أمركم وشركاءكم﴾ [يونس: ٧١]، وتلا ب ﴿من﴾ ضماً للفرع إلى الفرع فإن ﴿من﴾ مشترك بين الوصل والشرط، وهي أيضاً قد تطلق على ما لا يعقل، فناسب ذلك الحال، وزيد هناك في وصف الناجين ﴿وجعلناهم خلائف﴾ [يونس: ٧٣] نظراً إلى قوله تعالى في في أول السورة ﴿ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا﴾ [يونس: ١٣]، ثم قال: ﴿ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾ [يونس: ١٤] فلوح لهم بالإهلاك إن ظلموا، ثم أشار لهم - في قصة نوح عليه السلام بكونه أعلمهم أن الخلائف هم الناجون الباقي ذكرهم وذريتهم - إلى أنه تفضل عليهم بالتوفيق إلى الإجابة ورحمهم بهذا النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم - فقضى أنهم غير مهلكين.
ولما افتتحت القصة بنسبتهم له إلى الضلال باطلاً، وهو ناشىء عن عمى البصيرة أو البصر، ناسب أن يقلب الأمر عليهم على وجه الحق فقال مؤكداً لإنكارهم ذلك ﴿إنهم كانوا﴾ أي لما جبلتهم من العوج


الصفحة التالية
Icon