بالأصل «أرسلناه» فقال سياقاً واحداً إخباراً لمن هو فارغ الذهن من كل جزء من أجزائها؛ أتت قصة هود عليه السلام بعد علم السامعين بقصة نوح عليه السلام مما وقع من تبليغه لهم وردهم عليه، فلما ذكر إرساله تشوف السامع إلى انه هل قال لهم كما قال نوح وهل ردوا عليه كرد قومه أو كان الأمر بخلاف ذلك؟ فأجيب سؤال المتشوف بقوله: ﴿قال﴾ كقوله نوح عليه السلام سواء ﴿يا قوم﴾ مذكراً لهم بأنه أحدهم يهمه ما يهمهم ﴿اعبدوا الله﴾ أي لا ستحقاقه ذلك لذاته؛ ثم علل أو استأنف بقوله: ﴿ما لكم﴾ وأغرق في النفي فقال: ﴿من إله غيره﴾ ولما كانوا عارفين بما أصاب قوم نوح قال: ﴿أفلا تتقون*﴾ أي أفلا تجعلون بينكم وبين عذاب هذا الواحد الجبار وقاية.
ولما تشوف السامع إلى جوابهم بعد هذا الترغيب الممزوج بالترهيب، أجيب بقوله ﴿قال الملأ﴾ أي الأشراف الذين يملؤون العيون بهجة والصدور هيبة، ولما كانت عاد قليلاً بالنسبة إلى قوم نوح عليه السلام، وكان قد أسلم من أشرافهم من له غنى في الجملة، قيد بقوله: ﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا ما من حقه الظهور من أدلة الوحدانية، ووصفوا تسلية لهذا النبي الكريم فيما يرى من جفاء قومه بأن مثل ذلك كان لإخوانه من الأنبياء بقوله ﴿من قومه﴾ وأكدوا ما واجهوه به من الجفاء لأنهم عالمون بأن حاله في علمه وحكمه يكذبهم بقولهم: ﴿إنا لنراك﴾ أي لنعلمك علماً متيقناً


الصفحة التالية
Icon