الخلائق فقال: ﴿ومما رزقناهم﴾ أي على عظمتنا وهو لنا دونهم ﴿ينفقون*﴾ ولو كانوا مقلين اعتماداً على ما عندنا فالإنفاق وإهانة الدنيا همتهم، لا الحرص عليها، فحينئذ يكونون كالذين عند ربك في التحلي بالعبادة والتخلي من الدنيا إعراضاً وزهادة، وهو تذكير بوصف المتقين المذكور أول الكتاب بقوله: ﴿الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون﴾.
ولما حققوا إيمانهم بأفعال القلوب والجوارح والأموال، فاستوفوا بذلك جميع شعب الدين، عظم سبحانه شأنهم بقوله: ﴿أولئك﴾ أي العالو الهمم ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿المؤمنون﴾ وأكد مضمون الجملة بقوله: ﴿حقاً﴾.
ولما كانت صفاتهم الخمس المذكورة المشتملة على الأخلاق والأعمال لها تأثيرات في تصفية القلوب وتنويرها بالمعارف الإلهية، وكلما كان المؤثر أقوى كانت التأثيرات أعلى، فلما كانت هي درجات كان جزاؤها كذلك، فلهذا قال سبحانه تعالى في جواب من كأنه قال: فما جزاؤهم على ذلك؟ ﴿لهم درجات﴾ ولما كثرها بجمع السلامة بما دل عليه سياق الامتنان، عظمها بقوله: ﴿عند ربهم﴾ أي بتسليمهم لأمره.
ولما كان قدر الله عظيماً، وكان الإنسان عن بلوغ ما يجب عليه من ذلك ضعيفاً حقيراً، وكان بأدنى شيء من أعماله يستفزه الإعجاب، أشار سبحانه إلى أنه لا يسعه إلا العفو ولو بذل فوق الجهد فقال:


الصفحة التالية
Icon