أي بما هم فيه، بالغ في علمه إلى حد عظيم، فذلك جاء ما رأيتم منه فوق العادة، فكأن فرعون قال ذلك أبتداء - كما في سورة الشورى - فتلقفوه منه وبادروا إلى قوله، يقوله بعضكم لبعض إعلاماً بأنهم على غاية الطواعية له خوفاً على رئاستهم تحقيقاً لقوله تعالى ﴿فاستخف قومه فأطاعوه﴾ [الزخرف: ٥٤] واختير هنا إسناده إليهم، لأن السياق للاستدلال على فسق الأكثر، وأما هناك فالسياق لأنه إن أراد سبحانه انزل آية خضعوا لها كما خضع فرعون عند رؤية ما رأى من موسى عليه السلام حتى رضي لنفسه بأن يخاطب عبيده - على ما يزعم - بما يقتضي أن يكون لهم عليه أمر، فلذا كان إسناد القول إليه أحسن، لأن النصرة في مقارعة الرأس أظهر، وخضوع عنقه أضخم وأكبر.
ولما خيلوهم حتى أوقفوهم عما فهموا عنهم من المبادرة إلى المتابعة بادعاء أنه ساحر؛ نفروهم من ذلك وخوفوهم بأنه يريد أن يحكم فيهم قومه الذين كانوا عبيداً لهم ويزيحوهم من ديارهم التي هي لأشباحهم مثل أشباحهم لأرواحهم بقوله: ﴿يريد أن يخرجكم﴾ أي أيها القبط ﴿من أرضكم﴾ أي هذه التي أثلها لكم آباؤكم وبها قوامكم؛ ولما كان السياق لبيان فسقهم، أسقط قولهم في الموضع الآخر ﴿بسحره﴾ إفهاماً لعجلتهم في إبرام الأمر في ضره إشارة إلى تغاليهم في الفسق بعلمهم


الصفحة التالية
Icon