الاتفاق على الحفظ عما يخل بالتبليغ ويحط الرتبة والكبائر، وحقيقة الصغائر مقدمات الذنوب التي لم تتم، فيكون تمامها كبيرتها، وعلى ذلك بنى قوم احتمال وقوع الفعل محظوراً من نبي، وكل ذلك - وإن كان من أحوال أنبياء - فإن المتحقق من أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هو علو عن هذا المحل؛ المعنى الثاني من العصمة رفع الحكم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما حفظه الحافظ من ماضي ظاهر شرعته وبما بلغ إليه فهمه من مبادىء التنشؤ من سننه، واتخاذ فعله مبدأ للأحكام في كل آن من غير التفات لما تقرر في ماضي الزمان، وهذه هي العصمة الخاصة بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجامع، فلا يكون لفعله حكم إلا ما يفهمه إنباؤه عن حال وقوعه، ويكون الأحكام تبعاً لفعله، لا أن فعله يتبع حكماً، فهذا وجه عصمته الخاصة الممتنع عليها جواز الخروج عنها، فمن كان يسبق إليه من أكابر الصحابة نحو من هذا المعنى لا يتوقف في شيء من أمره كالصديق رضي الله عنه وكما كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في اقتدائه حتى في إدارة راحلته وصبغه بالصفرة ولبسه النعال السبتية ونحو ذلك من أمره وأمر من حذا منهم هذا الحذو، ومن كان يتوهم الحكم عليه بمقتضى علمه وفهمه من أمر شرعته لا يكاد يسلم من وقوع في أمر يرد عليه انتحاله كما حكم أبيّ رضي الله عنه لما كان يصلي بإمضاء عمل الصلاة إذ دعاه حتى بين له قصور فهمه عن الله


الصفحة التالية
Icon