ما يقابلهم به ﴿والله خير الماكرين*﴾ لأنه لا يمكن أحداً علم ما يريد إخفاءه لأنه الملك الأعلى المحيط بالجلال والجمال، فالنافذ إنما هو مكرُه، والعالي إنما هو نصره، فكأنه تعالى يقول: انظروا إلى مصداق ما وعدتكم به في أحوال نبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه كان وحده وجميع الناس يخالفونه فثبت على أداء الرسالة إليهم وإبلاغ النصيحة لهم على ما يصله منهم من الأذى ولا يزيده أذاهم له إلا اجتهاداً في أداء ما ينفعهم إليهم.
ولما ذكر مكرهم بالرسول، ذكر مكرهم بما أرسل به، فقال عاطفاً على «إذ أنتم» :﴿وإذا تتلى﴾ أي من أي تال فرض ﴿عليهم آياتنا﴾ أي التي هي الفرقان جلالة وعظماً لم يدعوها تؤثر في تلك الحالة، بل ﴿قالوا﴾ إظهاراً لعنادهم لها وتشيعاً بما لم يعطوا وادعاء لما لمن ينالوا ﴿قد سمعنا﴾ ولما لم يتأثر عن سماعهم الإذعان، تشوف السامع إلى علة إعراضهم فقال معللاً أو مستأنفاً: ﴿لو نشاء﴾ أي في أيّ وقت أردنا ﴿لقلنا مثل هذا﴾ أي لأنه ليس قول الله كما يزعم محمد ﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا﴾ الذي يتلى عليكم ﴿إلا أساطير﴾ جمع سطور وأسطار جمع سطر ﴿الأولين*﴾ أي من بني آدم، سطروا فيها علومهم وأخبارهم فهو من جنس كلامنا وقائله من جنسنا، وهذا غاية المكابرة لأنه قد تحداهم بقطعة من مثله إن كان له - كما يزعمون - مثل، وبالغ في تقريعهم فما منعهم - من إبراز شيء مما يدعون وليس بينهم وبينه بزعمهم إلا أن يشاؤوا،


الصفحة التالية
Icon