أحاط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿سلم﴾ أي ولكن لم يركهم كذلك فحصلت السلامة عما كان يتسبب عنها من النكوص، ثم بين العلة في ترتيبه ذلك وإخباره بهذا الأمر المفروض بقوله: ﴿إنه عليم﴾ أي بالغ العلم ﴿بذات الصدور*﴾ أي ضمائرها من الجراءة والجبن وغيرهما قبل خطورها في القلوب.
ولما بين ما نشأ عن رؤيته صلى الله عليه والسلم من قلتهم وما كان ينشأ عن رؤيته الكثرة لو وقعت، لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما هو عليه من النصيحة والشفقة - كان يخبرهم بما رأى كما أخبرهم في غزوة أحد بالبقر المذبحة؛ أتبعه ما فعل من اللطف في رؤيتهم بأنفسهم يقظة فقال: ﴿وإذ﴾ أي واذكروا أيضاً إذ ﴿يريكموهم﴾ أي يبصركم أياهم ﴿إذ﴾ أي حين ﴿التقيتم﴾ ونبه على أن الرؤية ليست على حقيقة ما هم عليه بقوله: ﴿في أعينكم﴾ أي لا في نفس الأمر حال كونهم ﴿قليلاً﴾ أي عددهم يسيراً أمرهم مصدقاً لما أخبركم به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رؤياه لتجترئوا عليهم؛ روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلاً منهم فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفاً، قال الحرالي في آل عمران: فجعل القليل وصفاً لهم لازماً ثابتاً دائماً عليهم بما أوجب فيهم من نقص ذواتهم بخفاء فطرتهم وما وراء خلق الفطرة


الصفحة التالية
Icon