أين أي سراق؟ ولا يظنونه إلا سراقة، فمر ولم يجبهم ولا عرج عليهم ﴿وقال﴾ أي بلسان الحال أو القال وهو يسمعونه أو لا يسمعونه ﴿إني بريء منكم﴾ ثم علل براءته منهم بقوله: ﴿إني أرى﴾ أي بعين بصري ﴿ما لا ترون﴾ أي من الملائكة والغضب الذي هو نازل بكم، فقال له الحارث بن هشام وكانت يده في يده: والله ما نرى إلا جواسيس يثرب! فاستأنف قوله مؤكداً لإنكارهم لذلك: ﴿إني أخاف الله﴾ أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً أن يهلكني معكم بالمعاجلة بالعقاب ﴿والله﴾ أي الملك الأعظم ﴿شديد العقاب*﴾ فكانوا يقولون: انهزم بنا سراقة، فقال؛ بلغني أنكم تقولون كذا! والله ما علمت بمسيركم هذا إلا عندما بلغني انهزامكم فكانوا يكذبونه حتى أسلموا فعلموا أن الذي غرهم الشيطان، وذلك مشهور في السير، وهو أولى من أن يحمل على مجرد الوسوسة، وفي الحديث «ما رئي إبليس يوماً أصغر ولا أحقر ولا أغيظ من يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رئي يوم بدر».
ولما استوفى ما كان يقطع به في حق أولئك مما هو من أنفسهم ومما هو من تزيين الشيطان، أبدل منه ما كان يقطع به في حقهم من أهل الجهل بالله وبأيامه الماضية وآثاره عند أوليائه وأعدائه فقال: ﴿إذ يقول المنافقون﴾ أي من العرب وبني إسرائيل قولاً يجددونه كل وقت لما لهم فيه من الرغبة ﴿والذين في قلوبهم مرض﴾ أي ممن


الصفحة التالية
Icon