﴿الفاسقين*﴾ أي الذين استعملوا ما عندهم من قوة القيام فيما يريدون من الفساد حتى صار الفسق - وهو الخروج مما حقه المكث فيه والتقيد به وهو هنا الطاعة - خلقاً من أخلاقهم ولازماً من لوازمهم، بل يكلهم إلى نفوسهم فيخسروا الدنيا والآخرة.
ولما كان في بعض النفوس من الغرور بالكثرة ما يكسبها سكرة تغفلها عن بعض مواقع القدرة، ساق قصة حنين دليلاً على ذلك الذي أبهمه من التهديد جواباً لسائل كان كأنه قال: ما ذاك الأمر الذي يتربص لإتيانه ويخشى من عظيم شأنه؟ فقيل: الذل والهوان والافتقار والانكسار، فكأنه قيل: وكيف يكون ذلك؟ فقيل: بأن يسلط القدير عليكم - وإن كنتم كثيراً - أقوياء غيركم وإن كانوا قليلاً ضعفاء كما سلطكم - وقد كنتم كذلك - حتى صرتم إلى ما صرتم إليه: ﴿لقد نصركم الله﴾ أي الملك الأعلى مع شدة ضعفكم ﴿في مواطن﴾ أي مقامات ومواقف وأماكن توطنون فيها أنفسكم على لقاء عدوكم ﴿كثيرة﴾ أي من الغزوات التي تقدمت لكم كبدر وقريظة والنضير وقينقاع والحديبية وخيبر وغيرها من مخاصمات الكفار، وكنتم من الذلة والقلة والانكسار بحال لا يتخيل معها نصركم وظهوركم على جميع الكفار وأنتم فيهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وما وكلكم


الصفحة التالية
Icon