إلى مناصرة من تقدم أمره لكم بمقاطعتهم، فدل ذلك على أن من أطاع الله ورجع الدين على الدنيا آتاه الله الدين والدنيا على أحسن الوجوه وإن عاداه الناس أجمعون، ودل بما بعدها من قصة حنين على أن من اعتمد على الدنيا فاته الدين والدنيا إلا أن يتداركه الله برحمته منه فيرجع به. فقال تعالى: ﴿ويوم﴾ أي ونصركم بعد أن قواكم وكثركم هو وحده، لا كثرتكم وقوتكم يوم ﴿حنين﴾ وهو واد بين مكة والطائف إلى جانب ذي المجاز، وهو إلى مكة أقرب، وراء عرفات إلى الشمال.
ولما كان سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري رضي الله عنه قد قال حين التقى الجمعان وأعجبته كثرة الناس: لن نغلب اليوم من قلة! فساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلامه وأن يعتمد إلا على الله، وكان الإعجاب سمّاً قاتلاً للأسباب، أدبنا الله سبحانه في هذه الغزوة بذكر سوء أثره لنحذره، ثم عاد سبحانه بالإنعام لكون الذي قاله شخصاً واحداً كره غيره مقاتله. فقال: ﴿إذ﴾ أي حين ﴿أعجبتكم كثرتكم﴾ أي فقطعتم لذلك أنه لا يغلبها غالب، وأسند سبحانه الفعل للجمع إشارة إلى أنهم لعلو مقامهم ينبغي أن لا يكون منهم من يقول مثل ذلك ﴿فلم تغن عنكم شيئاً﴾ أي من الإغناء ﴿وضاقت عليكم الأرض﴾ أي الواسعة ﴿بما رحبت﴾ أي مع اتساعها فصرتم لا ترون أن فيها مكاناً يحصنكم مما أنتم فيه لفرط الرعب، فما ضاق في الحقيقة إلا ما كان


الصفحة التالية
Icon