لم يكن في ذلك الوقت له، وذلك أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمه العباس رضي الله بعدما فر الناس: ناد فيهم يا عباس! فنادى وكان صيتاً: ياعباد الله! يا أصحاب الشجرة! يا أصحاب سورة البقرة! فكروا عنقاً واحداً يقولون: لبيك لبيك! ويحتمل أن يكون ذكر الرسول عليه السلام لمجرد التبرك كما في ذكر الله في قوله: ﴿فإن لله خمسه﴾ [الأنفال: ٤١] وزيادة في تعظيم الامتنان به لأن النفوس إلى ما أعطى منه الرسول أميل والقلوب له أقبل لاعتقاد جلاله وعظمته وكماله ﴿وأنزل﴾ أي من السماء ﴿جنوداً لم تروها﴾ أي من الملائكة عليهم السلام ﴿وعذب﴾ أي بالقتل والأسر والهزيمة والسبي والنهب ﴿الذين كفروا﴾ عبر بالفعل لأن فيهم من آمن بعد ذلك.
ولما كان ما عذب به من أوجد مطلق هذا الوصف عظيماً، أتبعه بيان جزاء العريق في ذلك ترهيباً لمن آثر حب شيء مما مضى على حب الله فقال: ﴿وذلك﴾ أي العذاب الذي منه ما عذب به هؤلاء وغيره ﴿جزاء الكافرين*﴾ أي الراسخين في وصف الكفر الذين آثروا حب من تقدم من الآباء وغيرهم على الله فثبتوا على تقليد الآباء في الباطل بعدما رأوا من الدلائل ما بهر الشمس ولم يدع شيئاً من لبس، وأما الذين لم يكن كفرهم راسخاً فكان ذلك صلاحاً لهم لأنه قادهم إلى الإسلام، فقد تبين أن المنصور من نصره الله قليلاً كان أو كثيراً، وأن القلة