بنارها، وبهرت بصره أشعة أنوارها، فقال مستخلصاً مما تقدم ومستنتجاً: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي أقروا بألسنتهم بالإيمان وهم ممن يستقبح الكذب ﴿إنما المشركون﴾ أي العريقون في الشرك بدليل استمرارهم عليه.
ولما كانوا متصفين به، وكانوا لا يغتسلون - ولا يغسلون - ثيابهم من النجاسة، بولغ في وصفهم بها بأن جعلوا عينها فقال: ﴿نجس﴾ أي وأنتم تدعون أنكم أبعد الناس عن النجس حساً ومعنى، فيجب أن يقذروا وأن يبعدوا ويحذروا كما يفعل بالشيء النجس لما اشتملوا عليه من خلال الشر واتصفوا به من خصال السوء، وأما أبدانهم فاتفق الفقهاء على طهارتها لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب من أوانيهم ولم ينه عن مؤاكلتهم ولا أمر بالغسل منها ولو كانت نجسة ما طهرها الإسلام. ولما تسبب عن ذلك إبعادهم، قال: ﴿فلا يقربوا﴾ أي المشركون، وهذا نهي للمسلمين عن تمكينهم من ذلك، عبر عنه بنهيهم مبالغة فيه ﴿المسجد الحرام﴾ أي الذي أخرجوكم منه وأنتم أطهر الناس، واستغرق الزمان فأسقط الجار ونبههم على حسن الزمان واتساع الخير فيه بالتعبير بالعام فقال: ﴿بعد عامهم﴾ وحقق الأمر وأزال اللبس بقوله: ﴿هذا﴾ وهو آخر سنة تسع سنة الوفود مرجعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك، فعبر بقربانه لا بإتيانه بعد التقديم إليهم بأن لا يقبل من مشرك إلا الإسلام أو القتل إشارة إلى إخراج المشركين من جزيرة العرب وانها لا يجتمع بها دينان لأنها كلها محل النبوة العربية