قلته، ومحبة الإقامة في الحدائق أيثاراً للتمتع بها وخوفاً من ضياعها مع أن بها قوام الأنفس، فصار النظر إليها هو الحامل على الشح بالأنفس فقال تعالى: ﴿بأموالكم وأنفسكم﴾ أي بهما معاً على ما أمكنكم أو بأحدهما ﴿في سبيل الله﴾ أي الملك الأعلى أي حتى لا يبقى منه مانع ﴿ذلكم﴾ أي الأمر العظيم ﴿خير﴾ أي في نفسه حاصل ﴿لكم﴾ أي خاص بكم، ويجوز أن يكون أفعل تفضيل بمعنى أن عبادة المجاهد بالجهاد خير من عبادة القاعد بغيره كائناً ما كان، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن سأله: هل يمكن بلوغ درجة المجاهد؟ فقال: هل تستطيع أن تقوم فلا تفتر وتصوم فلا تفطر؟ وختم الآية بقوله: ﴿إن كنتم تعلمون*﴾ إشارة إلى أن هذا الأمر وإن كان عاماً فإنما ينتفع به ذوو الأذهان الصافية والمعالم الوافية، فإن العلم - ولا يعد علماً إلا النافع - يحث على العمل وعلى إحسانه باخلاص النية وتصحيح المقاصد وتقوية العزم وغير ذلك وضده يورث ضده.
ولما كان هذا العتاب مؤذناً بأن فيهم من تباطأ عن الجهاد اشتغالاً بنحو الأموال والأولاد، وكان ما اشتملت عليه هذه الآيات من الأوامر والزواجر والمواعظ جدير: بأن يخفف كل متثاقل وينشط كل متكاسل، تشوفت النفوس إلى ما اتفق بعد ذلك فأعلم سبحانه به في أساليب البلاغة المخبرة عن أحوال القاعدين وأقاصيص الجامدين المفهمة ان هناك من


الصفحة التالية
Icon