كان في أول الأمر لخوف التنازع والفتنة، وأما الآن فقد علا الدين وتمكن أمر المؤمنين فالمأمور به الإغلاط على المنافقين فهلا تركت الإذن لهم ﴿حتى يتبين لك﴾ أي غاية البيان ﴿الذين صدقوا﴾ أي في التزام الأوامر بما أقروا به من كلمة التوحيد ﴿وتعلم الكاذبين*﴾ أي فيما أظهروا من الإيمان باللسان، فإنك إن لم تأذن لهم لقعدوا بلا إذن غير مراعين ميثاقهم الذي واثقوك عليه بالطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره؛ قال أبو حيان: و ﴿حتى﴾ غاية الاستفهام - انتهى. وذلك لأنه وإن كان داخلاً على فعل مثبت فمعناه النفي، أي ما لك لم تحملهم على الغزو معك ليتحقق بذلك الحمل من يطيع ومن يعصي، فالحاصل أن الذي فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسن موافق لما أمره الله به فإنه لا ينطبق عن الهوى بل عن أمر الله إما بإيحاء واصل جديد، أو استناد إلى وحي سابق حاصل عتيد، والذي أشار إليه سبحانه أحسن مثل ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك﴾ [الفتح: ٢] من باب «حسنات الأبرار سيئات المقربين» ومن باب الترقية من مقام عال إلى مقام اعلى تسييراً فيهم بالعدل لما انكشف أنهم ليسوا بأهل الفضل؛ قال الأستاذ أبو الحسن الحرالي في آخر كتاب العروة في تفاوت وجه الخطاب فيما بين


الصفحة التالية
Icon