وقد تبرأنا من حولنا وقوتنا واعتصمنا بحوله وقوته، وجعلنا جميع أمورنا كلها محمولة على قدرته كما يحمل الوكيل أمر موكله عنه ويريحه من همه وقلقه منه.
ولما جرت العادة بأن الموكل يخبر الوكيل بما يريد ليفعله، أتبع ذلك الدعاء بالحكم بما يقتضيه ظاهر الحال من نصر المحقّ وخذل المبطل فقال: ﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا ﴿افتح﴾ أي احكم ﴿بيننا﴾ ولما كان يريد استعطافهم لإسعادهم قال: ﴿وبين قومنا﴾ وفيه إشارة إلى ميله إلى الدعاء بهدايتهم، وأدب بعدم التصريح بما لم يؤذن له فيه ﴿بالحق﴾ أي بالأمر الفيصل من معاملة كل من المحقّ والمبطل بما يستحقه شرعاً وعرفاً بحيث يكون لكل فريق باب يصل به إلى غاية أمره وهذا مقام الإنصاف، فقد علم من إشارة قوله العناية بقومه، ومن عبارته الإنصاف من نفسه، ولو أراد ترجيح نفسه ومتبعيه لدعا لهم أن يعاملوا بالفضل وأن يعامل ضدهم بالعدل، والآية معلمة بأن له تعالى أن يفعل ما يريد من خذلان الظالم ونصر المظلوم وتعذيب العاصي وإثابة الطائع وعكس ذلك،
﴿لا يسئل عما يفعل﴾ [الأنبياء: ٢٣] لأنه التام المِلك العظيم المُلك الشامل القدرة الحكيم الخبير، ويجوز أن يكون المراد: لا نعود إلى ما كنا عليه من السكوت عن دعائكم إلى الله ونهيكم عن أفعال الضلال لأنا أمرنا بإنذاركم إلا أن يشاء الله سكوتنا بامر يحدثه إلينا في ذلك