ولما كانت الكفاية تارة تكون بالتنجيز العاجل وتارة بالوثوق بالوعد الآجل، بين أن الثاني هو المراد لأنه أدل على الإيمان فقال: ﴿سيؤتينا الله﴾ أي الملك الأعظم بوعد لا خلف فيه واعتقدوا أن لا حق لأحد فقالوا: ﴿من فضله ورسوله﴾ أي الذي لا يخالف أمره، على ما قدر لنا في الأزل؛ ثم عللوا ذلك بقولهم: ﴿إنا إلى الله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال وحده ﴿راغبون*﴾ أي عريقون في الرغبة، فلذلك نكتفي بما يأتي من قبله كائناً ما كان، أي لكان ذلك خيراً لهم لأنه لا ينالهم إلا ما قسم سبحانه لهم شاؤوا أو أبوا.
ولما أخبر عن لمزهم في الصدقات وقرر ما هو خير لهم إرشاداً إلى النجاة، علل فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها وبين أنه لا يفعل غيره لأنه الحق الذي لا يجوز في شرعه الأكمل غيره لمزوا أو تركوا زهدوا أو رغبوا فقال معبراً بأداة القصر على ما ذكر: ﴿إنما الصدقات﴾ أي هذا الجنس بجميع ما صدق من أفراده، والظاهر أنه قدم الأهم فالأهم، فلذا قال الشافعي: إن الفقير أشدهم حاجة لكونه ابتدأ به، فقال: ﴿للفقراء﴾ أي الذين لا شيء لهم أو لهم شيء يقع موقعاً من كفايتهم ﴿والمساكين﴾ أي الذين لا كفاية لهم بدليل ﴿أما السفينة﴾ [الكهف: ٧٩] وأما {مسكيناً


الصفحة التالية
Icon