في قولهم: إنك إذن، بالمعنى الذي أرادوه، وبياناً لما في إظهارك لتصديقهم من الرفق بهم ﴿أبالله﴾ أي هو المحيط بصفات بصفات الكمال ﴿وآياته﴾ أي التي لا يمكن تبديلها ولا تخفى على ذي بصر ولا بصيرة ﴿ورسوله﴾ أي الذي عظمته من عظمته وهو مجتهد في إصلاحكم وتشريفكم وإعلائكم ﴿كنتم﴾ أي دائماً ﴿تستهزءون*﴾.
ولما حقق استهزاءهم، أنتج قوله: ﴿لا تعتذروا﴾ أي لا تبالغوا في إثبات العذر، وهو ما ينفي الملام، فإن ذلك لا يغنيكم وإن اجتهدتم لأن القطع حاصل بأنكم ﴿قد كفرتم﴾ أي بقولكم هذا، ودل - على أن كفرهم أحبط ما كان لهم من عمل - بنزع الخافض تشديداً على من نكث منهم تخويفاً له وتحقيقاً بحال من أصر فقال: ﴿بعد إيمانكم﴾ أي الذي ادعيتموه بألسنتكم صدقاً من بعضكم ونفاقاً من غيره.
ولما كان الحال مقتضياً لبيان ما صاروا إليه بعد إكفارهم من توبتهم أو إصرارهم، بين أنهم قسمان: أحدهما مطبوع على قلبه ومقضي توبته وحبه، وهذا الأشرف هو المراد بقوله بانياً للمفعول إعلاماً بأن المقصود الأعظم هو الفعل، لا بالنظر إلى فاعل معين: ﴿إن نعف﴾ لأن كلام الملك وإن جري في مضمار الشرط فهو مرشد إلى تحققه