والخوض خوفاً مما محق أولئك الأحزاب على قوتهم من العذاب من غير أن ينفعهم سبب من الأسباب ﴿وخضتم﴾ أي ذهبتم في أقوالكم وأفعالكم خبطاً على غير سنن قويم ﴿كالذي﴾ أي كخوضهم الذي ﴿خاضوا﴾ وهو ناظر إلى قولهم ﴿إنما كنا نخوض ونلعب﴾ قال أبو حيان: وهو مستعار من الخوض في الماء ولا يستعمل إلا في الباطل لأن التصرف في الحق إنما هو على ترتيب ونظام، وأمور الباطل إنما هي خوض، ومنه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«رب متخوض في مال الله له النار يوم القيامة».
ولما آذن هذا النظم لهم بالخسارة، حصل التشوف إلى عاقبة أمرهم فأخبر عن ذلك بقوله: ﴿أولئك﴾ أي البعداء من الخير، والظاهر أنه إشارة إلى الذين وصفهم بالشدة وكثرة الأموال والأولاد ﴿حبطت﴾ أي فسدت فبطلت ﴿أعمالهم في الدنيا﴾ أي بزوالها عنهم ونسان لذاتها ﴿والآخرة﴾ أي وفي الدار الباقية لأنهم لم يسعوا لها سعيها؛ وزاد في التنبيه على بعدهم مما قصدوا لأنفسهم من النفع فقال: ﴿وأولئك هم﴾ أي خاصة ﴿الخاسرون*﴾ أي لا خاسر في الحقيقة غيرهم لأنهم خسروا خلاقهم في الدارين فخسروا أنفسهم فلا أخسر ممن تشبه بهم، ولعل في الالتفات إلى مقام الخطاب أيضاً إشارة إلى تحذير كل سامع من مثل هذه الحال لصحة أن يكون مراداً بهذا المقال،