ومع ذلك لابد أن ينظف ظاهره، لأن الله سبحانه كما أنه الباطن فيحب صفاء البواطن فإنه الظاهر يحب صلاح الظواهر، فصاحب القرآن إذا دعي إلى صفاء باطن أجاب ولم يتعلثم وإذا دعي إلى صلاح ظاهر أجاب ولم يتلكأ لقيامه بالفرقان وحق القرآن، يذكر أن ملكاً رحمه الله دخل المسجد بعد العصر وهو ممن لا يرى الركوع بعد العصر فجلس ولم يركع فقال له صبي: يا شيخ! قم فاركع، فقام وركع ولم يحاجه بما يراه مذهباً، فقيل له في ذلك فقال: خشيت أن أكون من
﴿الذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون﴾ [المرسلات: ٤٨] ووقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سقاية زمزم وقد صنع العباس رضي الله عنه أحواضاً من شراب فضيخ التمر والمسلمون يردون عليه وقد خاضوا فيه بأيديهم، فأهوى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب من شرابهم، فقال له العباس رضي الله عنه: يا رسول الله! ألا نسقيك من شراب لنا في أسقية؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أشرب من هذه ألتمس بركة أيدي المسلمين»، فشرب منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فصاحب القرآن يعبد الله تبارك وتعالى بقلبه وجسمه لا يقتصر على ظاهر دون باطن، ولا على باطن دون ظاهر، ولا على أول دون آخر ولا على آخر دون أول؛ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أمتي كالمطر لا يدري أوله خير أم آخره» فمن حق القارىء أن يعتبر القرآن نفسه ويلحظ مواضع مذامه للفرق ويزن به أحوال نفسه من هذه الأديان