ولما قرر سبحانه بهذه الآية تشابههم في التمتع بالعاجل، وختمها بهذا الختام المؤذن بالانتقام، اتبع ذلك بتخويفهم من متشابهتهم فيما حل بطوائف منهم ملتفتاً إلى مقام الغيبة لأنه أوقع في الهيبة، فقال مقرراً لخسارتهم: ﴿ألم يأتهم﴾ أي هؤلاء الأخابث من أهل النفاق ﴿نبأ الذين من قبلهم﴾ أي خبرهم العظيم الذي هو جدير بالبحث عنه ليعمل بما يقتضيه حين عصوا رسلنا؛ ثم أبدل من ذلك قوله: ﴿قوم نوح﴾ أي في طول أعمارهم وامتداد آثارهم وطيب قرارهم بحسن التمتع في أرضهم وديارهم، أهلكهم بالطوفان، لم يبق عن عصاتهم إنسان، وعطف على قوم القبيلة فقال؛ ﴿وعاد﴾ أي في قوة أبدانهم وعظيم شأنهم ومصانعهم وبنيانهم وتجبرهم في عظيم سلطانهم، أهلكهم بالريح الصرصر، لم يبق ممن كفر منهم بشر ﴿وثمود*﴾ أي في تمكنهم من بلاد الحجر عرضها وطولها، جبالها وسهولها، أهلكوا بالرجفة لم يبق من الكفار منهم ديار ﴿وقوم إبراهيم﴾ أي في ملك جميع الأرض بطولها والعرض، سلب الله منهم الملك بعد شديد الهلك ﴿وأصحاب مدين﴾ أي في جمع الأموال ومد الآمال إلى أخذها من حرام وحلال ونقص الميزان والمكيال فعمهم الله بالنكال ﴿والمؤتفكات﴾ أي في إعراضهم عن صيانة أعراضهم في اتباع لذائذ أغراضهم، فأثمر لهم فعلهم بعد الخسف عموم انقراضهم.