بذلك عظيم الطغيان غريقاً في الكفران، أتبع ذلك الأمر بجهادهم بما يليق بعنادهم فقال آمراً لأعظم المتصفين بالأوصاف المذكروة مفخماً لمقداره بأجل أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿يا أيها النبي﴾ أي العالي المقدار بما لا يزال يتجدد له منا من الأنباء وفينا من المعارف؛ ولما كان الجهاد أعرف في المصارحين، وكانوا أولى به لشدة شكائمهم وقوة نفوسهم وعزائمهم بدأ بهم فقال؛ ﴿جاهد الكفار﴾ أي المجاهرين ﴿والمنافقين﴾ أي المسائرين كلاًّ بما يليق به من السيف واللسان.
ولما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطبوعاً على الرفق موصى به، قال تعالى: ﴿واغلظ عليهم﴾ أي في الجهادين ولا تعاملهم بمثل ملا عاملتهم به من اللين عند استئذانهم في العقود، وهذا بخلاف ما مضى في وعيد المنافقين حيث قدمهم فقال ﴿المنافقين والمنافقات والكفار﴾ فقدم في كل سياق الأليق به؛ ولما كان المعنى: فإنك ظاهر عليهم وقاهر لهم وهم طعام السيف وطوع العصا، عطف عليه قوله: ﴿ومأواهم﴾ أي في الآخرة ﴿جهنم وبئس المصير*﴾.
ولما أتى بالدليل العام على إجرمهم، أتبعه الدليل الخاص عليه وهو أيضاً دليل على دليل فقال: ﴿يحلفون بالله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا شيء أعظم منه قدراً ﴿ما قالوا﴾ أي ما وقع منهم قول، فقصر الفعل تعميماً للمفعول إعلاماً بأنهم مهما عنفوا على قول كائناً ما كان بادروا إلى الحلف على نفيه كذباً لأنهم مردوا على النفاق فتطبعوا بأعلى الكذب