ولما كان اللمز هو العيب، وهو ينظر إلى الخفاء كالغمز، ومادته بكل ترتيب تدور على اللزوم، والمعنى: يلزمون المطوعين عيباً ولا يظهرون ذلك لكل أحد وإنما يتخافتون به فيما بينهم، وهو يرجع إلى الهزء والسخرية، سبب عنه قوله: ﴿فيسخرون منهم﴾ ولما كان لا شيء أعظم للشخص من أن يتولى العظيم الانتقام له من ظالمه، قال: ﴿سخر الله﴾ أي وهو الذي له الأمر كله ولا أمر لغيره ﴿منهم﴾ أي جازاهم على فعلهم بأهل حزبه، وزادهم قوله: ﴿ولهم عذاب أليم*﴾ أي بما كانوا يؤلمون القلوب من ذلك وإذا حوققوا عليه دفعوا عن أنفسهم ما يردعهم عنه بالأيمان الكاذبة، روى البخاري في التفسير عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزلت ﴿الذين يلمزون﴾ - الآية.
ولما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معروفاً بكثرة الاحتمال وشدة اللين المشير إليه ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ للمبالغة في استجلابهم والحرص على نجاة جميع الخلق فكان معروفاً بالاستغفار لهم تارة على وجه الخصوص بسؤالهم عند اعتذارهم وحلفهم وتارة على وجه العموم عند استغفاره لجميع المسلمين، أخبره تعالى من عاقبة أمره بما يزهده