لأنه لما قيل ﴿بما صبروا﴾ تشوفت النفس إلى فعلهم حال الرخاء هل شكروا؟ فبين أن كثيراً منهم كفروا تصديقاً لقوله ﴿وما وجدنا لأكثرهم من عهد﴾ [الأعراف: ١٠٢] وما شاكله، وما أحسن تعقيب ذلك - بقوله: ﴿فأتوا﴾ أي مروا- بفاء التعقيب ﴿على قوم﴾ أي ذوي قوة، قيل: كانوا من لخم ﴿يعكفون﴾ أي يدورون ويتحلقون ملازمين مواظبين ﴿على أصنام لهم﴾ أي لا قوة فيها ولا نفع، فهم في عكوفهم عليها مثل في الغباوة، وقيل: إنها كانت تماثيل بقر، وكان ذلك أول أمر العجل.
ولما أخبر سبحانه بذلك، علم السامع أنهم بين أمرين: إما شكر وإما كفر، فتشوف إلى ما كان منهم، فأجاب سبحانه سؤاله بقوله: ﴿قالوا﴾ أي لم يلبث ذكرهم لما أراهم سبحانه من عظمته وشكرهم لما أفاض عليهم من نعمته إلا ريثما أمنوا من عدوهم بمجاوزتهم البحر وإغراقهم فيه حتى طلبوا إلهاً غيره بقولهم: ﴿يا موسى﴾ سموه كما ترى باسمه جفاء وغلظة اعتماداً على ما عمهم من بره وحلمه غير متأدبين بما بهرهم من جلالة حظه من الله وقسمه ﴿اجعل لنا إلهاً﴾ أي شيئاً نراه ونطوف به تقيداً بالوهم ﴿كما لهم آلهة﴾ وهذا منهم قول من لا يعد الإله - الذي فعل معهم هذه الأفاعيل - شيئاً، ولا يستحضره بوجه.


الصفحة التالية
Icon