ولما قرر ما هو الحقيق بطريق العقل، أتبعه بما رود من النقل بتأييده وإيجابه بقوله: ﴿وأمرت﴾ أي بأمر جازم ماض ممن لا أمر لأحد معه، وعظم المأمور به بجعله عمدة الكلام بإقامته مقام الفاعل فقال: ﴿أن أكون﴾ أي دائماً كوناً جبلياً، ولما كان السياق لما يحتمل الشك من الأمر الباطن، عبر بالإيمان الذي هو للقلب فقال: ﴿من المؤمنين﴾ أي الراسخين في هذا الوصف ﴿وأن أقم﴾ أي أيها الرسول ﴿وجهك﴾ أي كليتك على سبيل الإخلاص الذي لا شوب فيه ﴿للدين﴾ فوصل أولاً كلمه «أن» بمعنى الأمر أي ﴿أن أكون﴾ دون «أكن» وثانياً بلفظه وهو ﴿أقم﴾ جمعاً بين الأسلوبين، وكلاهما بمعنى المصدر، وخص الثاني بذلك لطوله لأنه كالتفصيل للأول فالخطاب فيه أوكد وألذ، وقوله: ﴿حنيفاً﴾ حال من فاعل «أقم» ومعناه: مسلماً ميالاً مع الدليل - كما أوضحته في البقرة، أي أجمع بين الإيمان بالقلب والإسلام بالجوارح ﴿ولا تكونن﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿من المشركين*﴾ الذين هم على ضد صفة الإسلام من الجفاء والغلظة والجمود والقسوة.
ولما نهاه عن الشرك، أكده بما هو كالتعليل له بما يلزمه من العبث بالخضوع لما لا ضر فيه ولا نفع بقوله تعالى: ﴿ولا تدع﴾ أي في رتبة من الرتب الكائنة ﴿من دون الله﴾ أي الذي


الصفحة التالية
Icon