في البقرة: ﴿كتاب﴾ أي عظيم جامع لكل خير، ثم وصفه بقوله: ﴿أحكمت﴾ بناه للمفعول بياناً لأن إحكامه أمر قد فرغ منه على أيسر وجه عنه سبحانه وأتقن إتقاناً لا مزيد عليه ﴿آياته﴾ أي أتقنت إتقاناً لا نقص معه فلا ينقصها الذي أنزلها بنسخها كلها بكتاب آخر ولا غيره، ولا يستطيع غيره نقص شيء منها ولا الطعن في شيء من بلاغتها أو فصاحتها بشيء يقبل، والمراد ب ﴿محكمات﴾ في آل عمران عدم التشابه.
ولما كان للتفصيل رتبة هي في غاية العظمة، أتي بأداة التراخي فقال: ﴿ثم﴾ أي وبعد هذه الرتبة العالية التي لم يشاركه في مجموعها كتاب جعلت له رتبة أعلى منها جداً بحيث لم يشاركه في شيء منها كتاب وذلك أنه ﴿فصلت﴾ أي جعلت لها - مع كونها مفصلة إلى حلال وحرام وقصص وأمثال - فواصل ونهايات تكون بها مفارقة لما بعدها وما قبلها، يفهم منها علوم جمة ومعارف مهمة وإشارات إلى أحوال عالية، وموارد عذبة صافية، ومقامات من كل علة شافية، كما تفصل القلائد بالفرائد، وهذا التفصيل لم يشاركه في شيء منه شيء من الكتب السالفة، بل هي مدمجة إدماجاً لا فواصل لها كما يعرف ذلك من طالعها، ويكفي في معرفة ذلك ما سقته منها في تضاعيف هذا الكتاب،