﴿يستهزءون﴾ أي يوجدون الهزء به إيجاداً عظيماً حتى كأنهم يطلبون ذلك.
ولما كان قولهم ذلك ناشئاً عن طبع الإنسان على الوقوف مع الحالة الراهنة والعمى عن الاستضاءة بنور العقل فيما يزيلها في العاقبة، بين ذلك ليعلم أن طبعه مناف لما تضمنه مقصود السورة من الإحكام الذي هو ثمرة العلم. وبعلم ذلك يعلم مقدار نعمته على من حفظه على ما فطره عليه من أحسن تقويم بقوله مؤكداً لأن كل أحد ينكر أن يكون طبعه كذلك: ﴿ولئن أذقنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿الإنسان﴾ أي هذا النوع المستأنس بنفسه؛ ولما كان من أقبح الخلال استملاك المستعار. وكانت النعم عواري من الله يمنحها من شاء من عباده، قدم الصلة دليلاً على العارية فقال: ﴿منا رحمة﴾ أي نعمة فضلاً منا عليه لا بحوله ولا بقوته من جهة لا يرجوها بما دلت عليه أداة الشك ومكناه من التلذذ بها تمكين الذائق من المذوق ﴿ثم نزعناها﴾ أي بما لنا من العظمة وإن كره ذلك ﴿منه﴾ أخذاً لحقنا ﴿إنه ليئوس﴾ أي شديد اليأس من أن يعود له مثلها ﴿كفور*﴾ أي عظيم الستر لما سلفه له من الإكرام لأن شأنه ذلك وخلقه إلا من رحم ربك ﴿ولئن أذقناه نعماء﴾ من فضلنا.
ولما كان استملاكه العارية طبعاً له، لا ينفك عنه إلا بمعونة شديد من الله. دل عليه بما أفهم أنه لو كان طول عمره في الضر ثم نال حالة


الصفحة التالية
Icon