ولما استثنى سبحانه من الجارين مع الطبع الطائشين في الهوى من تحلى برزانة الصبر الناشىء عن وقار العلم المثمر لصالح العمل، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأس الصابرين، وكان ما مضى من أقوالهم وأفعالهم مثل قولهم ﴿ما يحبسه﴾ وتثنيهم صدورهم أسباباً لضيق صدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فربما كانت مظنة لرجائهم تركه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض ما يوحى إليه من عيب آلهتهم وتضليل آبائهم وتسفيه أحلامهم، وغير ذلك مما يشق عليهم طمعاً في إقبالهم أو خوفاً من إدبارهم فإنهم كانوا يقولون: ما نراه يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكرنا به من الشر، قال تعالى مسبباً عن ذلك ناهياً في صيغة الخبر: ﴿فلعلك تارك﴾ أي إشفاقاً أو طمعاً ﴿بعض ما﴾ ولما كان الموحى قد صار معلوماً لهم وإن نازعوا فيه بنى للمفعول قوله: ﴿يوحى إليك﴾ كالإنذار وتسفيه أحلام آبائهم ﴿وضآئق به﴾ أي بذلك البعض ﴿صدرك﴾ مخافة ردهم له إذا بلغته لهم؛ ثم علل ذلك بقوله: ﴿أن﴾ أي مخافة أو لأجل أن ﴿يقولوا﴾ تعنتاً ومغالبة إذ لو كانوا مسترشدين لكفتهم آية واحدة ﴿لولا﴾ أي هلا ولم لا ﴿أنزل عليه كنز﴾ يستغني به ويتفرغ لما يريد، وبنوه للمفعول لأن المقصود مطلق حصوله وكانوا يتهاونون بالقرآن لعلمهم أنه الآية العظمى فكانوا لا يعدونه آية عناداً ومكابرة ﴿أو جاء معه ملك﴾ أي ليؤيد كلامه وليشهد له، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضيق صدره بمثل أقوالهم هذه ويثقل عليه أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون