من ذلك فوائد أخر: منها إظهار القدرة في بيان الإعجاز بتصريف المعنى في الوجوه المختلفة لما في ذلك من علو الطبقة في البلاغة لأنه ربما قال متعنت عند التحدي: قد استوفى اللفظ البليغ على الأسلوب الأكمل البديع في هذه القصص فلم تبق لنا ألفاظ نعبر بها عن هذه المعاني حتى نأتي بمثل هذه القصة؛ فأتى بها ثانياً إظهاراً لعجزه وقطعاً لحجته، وربما كررت ثالثاً ورابعاً توكيداً لذلك وتمكيناً للاعتبار بضروب البيان وتصبيراً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أذى قومه حالاً فحالاً، فإن قيل: فما بالها تأتي تارة في غاية البسط وتارة في غاية الإيجاز وتارة على الوسط؟ قيل: هذا من أعلى درجات البلاغة وأجل مراتب الفصاحة والبراعة، فإن قبل: فإنا نرى القصة تبسط في بعض السور غاية البسط ثم توجز في غيرها غاية الإيجاز ويؤتي فيها ما لم يؤت في المبسوطة كما في العنكبوت فإنه عين فيها مقدار لبثه وأنه كان ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلم لا استوعبت جميع المعاني في الموضع المبسوط كما هو الأليق بمقام البسط لا سيما لمن لا يخفى عليه شيء ولا ينسى، وإذا وقع حذف كان في الموجزة، قيل: قال شيخنا حافظ العصر أبو الفضل بن حجر: إن الإمام أبا حاتم بن حبان البستي ذكر في كتابه التقاسيم والأنواع: إنما لم يرتبه ليحفظ إذ لو رتبه ترتيباً سهلاً لاتكل من يكون عنده على سهولة الكشف منه فلا يتحفظه، وإذا وعر طريق الكشف


الصفحة التالية
Icon