سبحانه ولم يخاطبه فيهم ولا أسف عليهم، وأشار إلى أنهم ازدادوا بغياً بقوله: ﴿وكلما﴾ أي والحال أنه كلما ﴿مرَّ عليه ملأ﴾ أي أشراف ﴿من قومه﴾ وأجاب «كلما» بقوله: ﴿سخروا منه﴾ أي ولم يمنعهم شرفهم من ذلك، وذلك أنهم رأوه يعاني ما لم يروا قبله مثله ليجري على الماء وهو في البر وهو على صفة من الهول عظيمة فعن الحسن أن طوالها ألف ذراع ومائتا ذراع وعرضها ستمائة، فقالوا: يانوح! ما تصنع؟ قال: أبني بيتاً على الماء، ويجوز أن يكون ﴿سخروا﴾ : صفة لملإ، وجواب ﴿كلما﴾ ﴿قال﴾، ولما أيأسه الله من خيرهم، ترك ما كان من لينه لهم واستعطافهم فعلم أن ذلك ما كان إلا له سبحانه، فقال حاكياً عنه استئنافاً: ﴿قال إن تسخروا منا﴾ ولما كانوا يظنون أنه غائب في عمله كان عندهم موضعاً لخزي والسخرية، وكان هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عالماً بأن عملهم سبب لخزيهم بالعذاب المستأصل، فكان المعنى: إن تسخروا منا - أي مني وممن يساعدني - لظن أن عملنا غير مثمر ﴿فإنا نسخر﴾ أي نوجد السخرية ﴿منكم﴾ جزاء لكم ﴿كما تسخرون﴾ منا الآن لأن عملنا منج وعملكم ليس مقتصراً على الضياع بل هو موجب لما توعدون من العذاب فأنتم المخزيون دوني.
ولما كان قوله ﴿نسخر منكم﴾ واقعاً موقع هذا الإخبار، حسن الإتيان بالفاء المؤذنة بتسبب العلم المذكور عنه في قوله: ﴿فسوف تعلمون﴾ أي بوعد لا خلف فيه


الصفحة التالية
Icon