تاب الله على ﴿الثلاثة الذين﴾.
ولما كان الخلع للقلوب مطلق التخليف، بني للمفعول قوله: ﴿خلفوا﴾ أي خلفهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهجران ونهى الناس عن كلامهم، وأخر الحكم فيهم ليأتي أمر الله في بيان أمرهم واستمر تخليفهم ﴿حتى إذا ضاقت﴾ أشار إلى عظيم الأمر بأداة الاستعلاء فقال: ﴿عليهم الأرض﴾ أي كلها ﴿بما رحبت﴾ أي مع شدة اتساعها، أي ضاق عليهم فسيحها ووسعها.
ولما كان هذا قد يراد به الحقيقة، وكان ضيق المحل قد لا يستلزم ضيق الصدر، أتبعه الدلالة على أن المراد المجاز فقال: ﴿وضاقت عليهم﴾ بالهم المزعج والغم المقلق ﴿أنفسهم﴾ أي من شدة ما لاقوا من الهجران حتى بالكلام حتى برد السلام؛ ولما كان ذلك لا يقتضي التوبة إلا بالمراقبة، أتبعه ذلك للتخلف بها قوله: ﴿وظنوا﴾ أي أيقنوا، ولعله عبر بالظن إيذان بأنهم لشدة الحيرة كانت قلوبهم لا تستقر على حال، فكان يقينهم لشدة الخواطر كأنه ظن، أو يقال - وهو حسن -: إن التعبير به عن يقين المخلصين إشارة إلى أن أعلى اليقين في التوحيد لا يبلغ الحقيقة على ما هي عليه أن لا يقدر أحد أن يُقدر لله حق قدره - كما قال صدق الخلق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» وهذا من النفائس فاستعمله في أمثاله ﴿أن لا ملجأ﴾ أي مهرب ومفزع ﴿من الله﴾


الصفحة التالية
Icon