الخروج إلى ما لا يجوز من ترك الحق، ونقيضه الجزع، قال الشاعر:

إن تصبر فالصبر خير مغبةً وإن تجزعا فالأمر ما تريان
وهو من الصبر الذي هو المر المعروف لأنه تجرع مرارة الحق بحبس النفس عن الخروج إلى المشتهى مع الزاجر المعتبر من الشرع والعقل، فهو أكره شيء إلى النفس، والمعين عليه ما في استشعار لزوم الحق من العز والأجر بالطاعة والعلم بما يعقب من الخير في كل وجه وعادة النفس له، وقد غلب إطلاقه على الحق حتى لا يجوز إطلاقه إلا فيه - قاله الرماني.
ولما كان ما تقدم كله مشيراً إلى استبعاد إيمان المعاندين بشيء من تدبير آدمي كما تكاد القصص تنطق به، وكذا الإعلام بأن عبادتهم إنما هي للتقليد وباختلاف قوم موسى في كتابه الذي هو هدى ورحمة، وكل ذلك فطماً عن طلب ما قد يهجس في الخاطر من تمني إجابتهم إلى ما يقترحون أو الكف عن بعض ما يغيظ من الإنذار، وكان من طبع البشر البعد عن الانتهاء عن الخواطر إلا بعد التجربة، كان ذلك ربما أوجب أن يقال: لو أجيبوا إلى سؤالهم لربما رجعوا عن كثير مما هم فيه، فدعاهم ذلك إلى الرشاد، فتسبب عنه أن يقال دفعاً له: ﴿فلولا كان﴾ ويجوز أن يكون مناسبتها أنه لما ذكر إهلاك القرون الماضية والأمم السالفة


الصفحة التالية
Icon