ثبت على ما هو الأليق بحالهم، وقسم نزع إلى ما هو الأليق بأهل المدر، كما انقسم أهل المدر إلى مثل ذلك، وبدأ بالخبيث لأنه الأصل فيهم فقال: ﴿ومن الأعراب﴾ أي المذكورين ﴿من يتخذ﴾ أي يتكلف غير ما تدعو إليه الفطرة الأولى من الأريحية والهمم العلية بأن يعد ﴿ما ينفق مغرماً﴾ أي فلا يبذله إلا كرهاً ولا يرى له فائدة أخروية بل يراه مثل الصنائع بالنهب ونحوه ﴿ويتربص﴾ أي يكلف نفسه الربص، وهو أن يسكن ويصبر وينتظر ﴿بكم الدوائر﴾ أي الدواهي التي تدور بصاحبها فلا يتخلص منها، وذلك ليستريح من الإنفاق وغيره مما ألزمه به الدين.
ولما تربصوا هذا التربص، دعا عليهم بمثل ما تربصوا فقال: ﴿عليهم دائرة السوء﴾ أي دائماً لا تنفك إما بإذلال الإسلام وإما بعذاب الاصطلام، فهم فيما أرادوه بكم على الدوام، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو بضم السين على أن معناه الشر والضر، وقراءة الباقين بالفتح على أنه مصدر، فهو ذم للدائرة.
ولما كان الانتقام من الأعداء وإيقاع البأس بهم لا يتوقف من القادر غالباً إلا على سماع أخبارهم والعلم بها، جرت سنته تعالى في ختم مثل بقوله: ﴿والله﴾ أي الملك الأعلى الذي له الإحاطة الكاملة ﴿سميع﴾ يسمع ما يقولون ﴿عليم*﴾ أي فهو يعلم ما يضمرون عطفاً على نحو أن يقال: فالله على كل شيء قدير، ونحوه قوله {إنني