الخالق الرازق كاشف الضر ومدبر الأمر، كان ذلك موضع أن يقال: ما كان حال من تلي عليهم؟ فقيل: لم يؤمنوا، فقيل: ماشبهتهم؟ هل قدروا على معارضته والطعن في حكمته؟ فقيل: لا! بل تعجبوا من إنزاله على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس بأكثرهم مالاً ولا بأقدمهم سناً، فرجع حاصل تعجبهم إلى ما قاله تعالى إنكاراً عليهم. فإنه لو أرسل ذا سن قالوا مثل ذلك، وهل مثل ذلك محل العجب! ﴿أكان﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿للناس عجباً﴾ أي الذين فيهم أهلية التحرك إلى المعالي، والعجب: تغير النفس بما لا يعرف سببه مما خرج عن العادة؛ ثم ذكر الحامل على العجب وهو اسم «كان» فقال بعد ما حصل لهم شوق إليه: ﴿أن أوحينا﴾ أي ألقينا أوامرنا بما لنا من العظمة بواسطة رسلنا في خفاء منهين ﴿إلى رجل﴾ أي هو في غاية الرجولية، وهو مع ذلك ﴿منهم﴾ بحيث إنهم يعرفون جميع أمره كما فعلنا بمن قبلهم والملك العظيم المُلك المالك التام الملك لا اعتراض عليه فيما به تظهر خصوصيته من إعلاء من شاء.
ولما كان في الإيحاء معنى القول، فسره بقوله ﴿أن أنذر الناس﴾ أي عامة، وهم الذين تقدم نداءهم أول البقرة، ما أمامهم من البعث وغيره إن لم يؤمنوا أصلاً أو إيماناً خالصاً ينفي كل معصية صغيرة أو كبيرة وكل هفوة جليلة أو حقيرة على اختلاف الرتب وتباين المقامات ﴿وبشر﴾ أي خص ﴿الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذا