الملك الأعلى ﴿ربكم﴾ الذي تقرر له من العظمة والإحسان بالإيجاد والتربية ما لا يبلغه وصف ﴿فاعبدوه﴾ أي فخصُّوه بالعبادة فإن عبادتكم مع الإشراك ليست عبادة، ولولا فضله لم يكن لمن زل أدنى زلة طاعة.
ولما سبب سبحانه عن أوصافه العلى ما وجب له من الأمر بالعبادة، تسبب عن ذلك الإنكار عليهم في التوقف عنها والاحتياج فيها إلى بروز الأمر بها قام على استحقاقه للأفراد بها من الأدلة التي فيهم شواهدها فقال: ﴿أفلا تذكرون*﴾ أي ولو بأدنى أنواع التذكر بما أشار إليه الإدغام، ما أخبركم سبحانه به ونبهكم عليه بما يعلمه كل أحد من نفسه من أنه لا يقدر أحد أن يعمل كل ما يريد، ويعمل كثيراً مما لا غرض له فيه ويعلم أنه يضره إلى غير ذلك من الأمور ليعلم قطعاً أن الفاعل الحقيقي غيره وأنه لا بد لهذا الوجود من مؤثر فيه هو في غاية العظمة لا يصح بوجه أن يشاركه شيء ولو كان أعظم ما يعرف من الأشياء فكيف بجماد لا يضر ولا ينفع!.
فلما تقرر أنه هو الذي بدأ الخلق، تقرر بذلك أنه قادر على إعادته فقال: ﴿إليه﴾ أي خاصة ﴿مرجعكم﴾ أي رجوعكم وموضع رجوعكم ووقته حال كونكم ﴿جميعاً﴾ لا يتخلف منكم أحد، تقدم وعده لكم بذلك ﴿وعد الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿حقاً﴾


الصفحة التالية
Icon