الجماعة فقال: ﴿تحتها الأنهار﴾ أي هي كثيرة المياه. فكل موضع أردته نبع منه ماء فجرى منه نهر؛ ولما كان المقصود من الماء إنما هو السهولة في إنباطه بقربه ويسر جريه وانبساطه أثبته ابن كثير دلالة على ذلك كسائر المواضع، ولعل تخصيص هذا الموضع بالخلاف لأنه يخص هذه الأمة، فلعلها تخص بجنة هي أعظم الجنان رياً وحسناً وزياً.
ولما كان أعظم العيوب الانقطاع، نفاه بقوله: ﴿خالدين فيها﴾ وأكد المراد من الخلود بقوله: ﴿أبداً﴾ ثم استأنف مدح هذا الذي أعده لهم بقوله: ﴿ذلك﴾ أي الأمر العالي المكانة خاصة ﴿الفوز العظيم*﴾.
ولما استوفى الأقسام الأربعة: قسمي الحضر وقسمي البدو ثم خلط بين قسمين منهم تشريفاً للسابق وترغيباً للاحق، خلط بين الجميع على وجه آخر ثم ذكر منهم فرقاً منهم من نجز الحكم بجزائه بإصرار أو متاب. ومنهم من أخر أمره إلى يوم الحساب، وابتدأ الأقسام بالمستور عن غير علمه ليعلم أهل ذلك القسم أنه سبحانه عالم بالخفايا فلا يزالوا أذلاء خوفاً مما هددهم به فقال مصرحاً بما لم يتقدم التصريح به من نفاقهم: ﴿وممن حولكم﴾ أي حول بلدكم المدينة ﴿من الأعراب﴾ أي الذين قدمنا أنهم أشد كفراً لما لهم من الجفاء ﴿منافقون﴾ أي راسخون في النفاق، وكأنه قدمهم لجلافتهم وعتوهم، وأتبعهم من هو أصنع منهم