من بعد، فكأنه قال: بماذا أجيبهم؟ فقال: ﴿قل﴾ منكراً عليهم هذا العلم ﴿أتنبئون﴾ أي تخبرون إخباراً عظيماً ﴿الله﴾ وهو العالم بكل شيء المحيط بكل كمال ﴿بما لا يعلم﴾ أي لا يوجد له به علم في وقت من الأوقات ﴿في السماوات﴾ ولما كان الحال مقتضياً لغاية الإيضاح، كرر النافي تصريحاً فقال: ﴿ولا في الأرض﴾ وفي ذلك من الاستخفاف بعقولهم مما لا يقدرون على الطعن فيه بوجه ما يخجل الجماد، فإن ما لا يكون معلوماً لله لا يكون له وجود أصلاً، فلا نفي أبلغ من هذا كما أنك إذا بالغت في نفي شيء عن نفسك تقول: هذا شيء ما عمله الله مني.
ولما بين تعالى هنا ما هم عليه من سخافة العقول وركاكة الآراء، ختم ذلك بتنزيه نفسه بقوله: ﴿سبحانه﴾ أي تنزه عن كل شائبة نقص تنزهاً لا يحاط به ﴿وتعالى﴾ أي وفعل بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال فعل المبالغ في التنزه ﴿عما يشركون*﴾ أي يوجدون الإشراك به.
ولما بين شرارتهم بعبادة غير الله وختم بتنزيهه وكماله، بين أن هذا الدين الباطل حادث، وين نزاهته وكماله ببيان أن الناس كانوا أولاً مجتمعين على طاعته ثم خالفوا أمره فلم يقطع إحسانه إليهم بل استمر