الوحدانية فلذا عبر في كل منهما بالناس ليكون إجماعهم دليلاً كافياً عليها وسلطاناً جليلاً مضطراً إليها - والله الهادي: ﴿وإذا أذقنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿الناس﴾ أي الذين لهم وصف الاضطراب ﴿رحمة﴾ أي نعمة رحمناهم بها من غير استحقاق.
ولما كان كان وجود النعمة لا يستغرق الزمان الذي يتعقب النقمة، أدخل الجار فقال: ﴿من بعد ضراء﴾ أي قحط وغيره ﴿مستهم﴾ فاجأوا المكر وهو معنى ﴿إذا لهم مكر﴾ أي عظيم بالمعاصي التي يفعلون في الاستخفاء بأغلبها فعل الماكر ﴿في آياتنا﴾ إشارة إلى أنهم لا ينفكون عن آياته العظام، فلو كانوا منتفعين بالآيات اهتدوا بها، فإذا أتتهم رحمة من بعد نقمة لم يعدوها آية دالة على من أرسلها لهم لخرقها لما كانوا فيه من عادة النقمة مع أنهم يعترفون بأنه لا يقدر على إرسالها وصرف الشدة إلا هو سبحانه، بل يعملون فيها عمل الماكرين بأن يصرفوها عن ذلك بأنواع الصوارف كأن ينسبوها إلى الأسباب كنسبة المطر للأنواء ونحو ذلك غير خائفين من إعادة مثل تلك الضراء أو ما هو أشد منها.
ولما كانت هذه الجملة دالة على إسراعهم بالمكر من ثلاثة أوجه: التعبير بالذوق الذي هو أول المخالطة ولفظ «من» التي هي للابتداء و «إذا» الفجائية، كان كأنه قيل: أسرعوا جهدهم في المكر، فقيل: ﴿قل الله﴾ أي الذي له له الإحاطة الكاملة بكل شيء ﴿أسرع مكراً﴾


الصفحة التالية
Icon