القول الثاني : أنه يعود إلى أقرب مذكور، وهو قول لأبي حنيفة (١)، واختاره أبو حيان (٢).
واحتجوا بما يلي :
١- أن الاستثناء المذكور عقيب الجمل لو رجع إلى جميعها لم يخل : إما أن يضمر مع كل جملة استثناء يعقبها، أو لا يضمر، فيرجع الاستثناء المصرح به في آخر الجمل إلى جميعها، والأول باطل ؛ لأن الاضمار على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا لضرورة ولا ضرورة هنا. والثاني : أيضاً باطل ؛ لأن العامل في نصب ما بعد حرف الاستثناء هو ما قبله من فعل أو تقدير فعل ؛ فإذا فرضنا رجوع ذلك الاستثناء إلى كل الجمل كان العامل في نصب المستثنى أكثر من واحد، وهذا لا يجوز.
٢- أن الاستثناء من الاستثناء مختص بما يليه، فكذا في سائر الصور دفعاً للاشتراك في الوضع.
والذي ترجح لدي بعد النظر في الأدلة ما قاله الجمهور : وهو أن الاستثناء يرجع إلى جميع ما تقدمه من الجمل ما لم يمنع منه مانع، فإن منع منه مانع فيقدر بقدره.
وسبب الترجيح أمور منها :
١- أن الاستثناء عقيب الجمل إذا صلح رجوعه لجميعها فلا تخصص جملة دون أخرى إلا بدليل هو قول أكثر العلماء.

(١) ينظر : تيسير التحرير ١/ ٣٠٢، البرهان للجويني ١/ ٢٦٢ وما بعدها، المعتمد ١/ ٢٤٥.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٦/ ٤٣٣، ارتشاف الضرَب ٣/ ١٥٢٢.


الصفحة التالية
Icon