كما أن الفراء ـ رحمه الله ـ أطلق لنفسه العنان، فراح يحاكم القرآن بما هو معرف عند أهل اللغة، ودرج من بعده من درج، ومنهم المستشرقون. فالقراءة إذا ثبتت لا يردها فشو لغة أو نحو كوفي أو بصري، .
وعندنا أنه ما كان يحق للطنافسي أن يقول ما قال، فالقراءات ـ لابد ـ توقيفية، وليست اختيارية، وإلا وجد شك، والوهم سبيلهما إلى آي الكتاب.
وحتى أن الطبري المفسر يفاضل بين القراءات.
والقرآن ـ بلا ريب ـ أجل وأخطر من أن يقرأه مسلم برأيه المجرد، والقراءة ـ كما يقرر المسلمون ـ سنة متبعة، وقد كان رؤساء الصحابة ينكرون تفضيل قراءة على قراءة من أي وجه.
وكان أبو العالية أحد أئمة القراءات إذا قرأ عند رجل ـ أي بقراءة لم يعرفها ـ لم يقل له ليس كما قرأت، ويقول :"أما أنا فأقرأ كذا " وهذا ـ كما يقول القاري ـ " من كمال احتياطه في تورعه ".
ويقول علي القاري :"فبلغ ذلك القول من أبي العالية إبراهيم النخعي التيمي، فقال :"أُراه ـ بضم الهمزة ـ أي أظنه سمع أن من كفر بحرف منه فقد كفر به كله، لأن الكفر ببعضه يؤذن بالكفر بكله، بخلاف الإيمان ببعضه، فإنه لا يقوم مقام الإيمان بكله ".
وقد روي عن الإمام احمد أنه من أجاب في شأن عاصم :"أهل الكوفة يختارون قراءة وأنا أختارها " (١).
وقد حكى أبو عمرو الزاهد في كتاب "اليواقيت" عن ثعلب أنه قال : إذا اختلف الإعرابان في القراءات لم أُفضِّل إعراباً على إعراب، فإذا خرجت إلى كلام الناس فضلت الأقوى (٢).
وقال أبو جعفر النحاس :" السلامة عند أهل الدين ـ إذا صحت القراءتان ـ ألاّ يقال: إحداهما أجود، لأنهما جميعاً عن النبي - ﷺ - فيأثم من قال ذلك " (٣).